كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
يشكّل توقيع بروتوكول تعاون بين مستشفيين خاصّين في لبنان عادة حدثاً طبّياً يعني أصحاب الشأن حصراً، إلّا أنه عندما يكون أحد الطرفين المعنيين بهذا البروتوكول مستشفى تل شيحا في زحلة، فإنه يتحوّل حدثاً يعني كلّ زحليّ. فمع أنّ المستشفى هو صرح إستشفائي خاص تابع لأبرشية زحلة والفرزل والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك، إلّا أنّ الزحليين الذين يفاخرون أنّ الصرح الذي وضع له حجر الأساس في سنة 1906، لم يكتمل بناؤه إلا بمساعدة أموال مغتربي المدينة ومقيميها في سنة 1949، وبالتالي هم يعتبرونه مستشفى كل زحليّ. وهذا ما يضع «تل شيحا» في دائرة إهتمام رأي عام المدينة، يتابعون تطوره، يلاحقون كبواته، يراقبون بأسف الترهّل الذي أوقعه في ديون ومآزق أساءت لسمعته، ويشجّعون كل خطوة تعيد له بريقه السابق.
ومن هنا لم يكن مستغرباً أن يتحوّل حفل توقيع بروتوكول تعاون بين مستشفيي تل شيحا وأوتيل ديو في فندق «قادري الكبير» بزحلة، الذي للمناسبة يشكّل أيضاً صرحاً تاريخياً في المدينة، حدثاً شعبياً ورسمياً، قصد من خلاله أصحاب الدعوة جمع أكبر عدد من فاعليات المدينة وشخصياتها، لإشراكهم في واحد من القرارات التي تشكّل إنعطافة جديّة في تاريخ «تل شيحا». فتحوّل الإحتفال بتوقيع بروتوكول طبّي رعاه البطريرك يوسف العبسي «حدثاً تاريخيّاً، وإجتماعيّاً، وكنسيّاً ووطنيّاً» على ما وصفه راعي الإحتفال، معتبراً «أنّ ما نشهده نموذج للتعاون بين العلمانيّين بعضهم مع بعض من ناحية، وبين الإكليروس والعلمانيّين من ناحية أخرى»، وتمنّى «على القيّمين الجدد أن يسعوا إلى جعل «تل شيحا» مستشفى جامعياً فيساعد على إنشاء كليّات طبّ في الجامعات التي في زحلة وجوارها».
منذ عام 1949 تحوّل مستشفى تل شيحا معلماً أساسياً في المدينة، وظلّ لفترة طويلة الصرح الطبّي الوحيد الذي يؤمّن الخدمة الإستشفائية لأهالي زحلة والبقاع قبل أن تعجّ الساحة بعدد من المستشفيات التي أقيمت في زحلة وفي قرى قضائها.
غير أنّ هذه الإحتكارية لم تكن هي ما ميّزت «تل شيحا»، بل ما عكسه هذا الصرح من روح تضامن بين جناحيْ زحلة المقيم والمغترب من جهة، وبين زحلة ومحيطها من جهة ثانية. وقد عبّر الكثيرون عن هذا التقدير للدور الذي لعبه المستشفى بالنسبة للحياة الإجتماعية في المدينة، كما فعل الشاعر ايليا أبو ماضي في أبيات شعرية ذكّر بها المطران إبراهيم إبراهيم خلال حفل توقيع البروتوكول، مؤكداً أيضاً «أن مستشفى تل شيحا مشروع زحلي إنساني قام على تلاقي إراداتٍ واعية وتعاونِها من أجل عمل الخير ولخدمة الإنسان الزحلي والبقاعي».
طبيعة البروتوكول
إشراك الرأي العام الزحلي بهذه الإحتفالية الإستشفائية في المدينة بالمقابل، لا بدّ أن يثير التساؤلات عن طبيعة هذا البروتوكول وما هي أهمّيته بالنسبة لزحلة وأهالي قضائها من جهة. كما أنّه يثير هواجس البعض من إمكانية هيمنة مؤسسة إستشفائية ضخمة كأوتيل ديو على دور «تل شيحا» وهويتها بالنسبة للزحليين.
على هذه التساؤلات والهواجس أجاب نائب رئيس لجنة «تل شيحا» المكلّف حديثاً، نقيب الاطباء يوسف بخاش، فأكّد لـ»نداء الوطن» أنّ بروتوكول عقد التعاون الموقّع مع أوتيل ديو «يعكس التكامل بالأفكار والمصالح بين الطرفين، فنحن كنا نبحث عن توأمة، وهم يسعون لتوسيع شبكة التعاون»، وشرح أنّه «تعاون إداري وعلمي وتنظيمي، ويهدف إلى تحسين نوعية الخدمة الإستشفائية وتطويرها، على أمل التوصل لاحقاً لتحويل تل شيحا مستشفى جامعياً»، موضحاً أنّ «مدّة العقد الموقّع هي 4 سنوات قابلة للتجديد». وأشار الى أنّ تطبيق بنود التعاون بدأت فعلاً منذ شهرين، وهناك مدير عيّن من «أوتيل ديو»، ونعمل معاً على تلبية حاجات كل قسم بطريقة مستقلة، لتطويره وتقديم كل ما يلزم من أجل إعادة الثقة بهذا المستشفى».
وفي هذا الإطار، أوضح بخاش «أنّ المستشفى نظر في عودة بعض أفراد الطاقم التمريضي عن إستقالاتهم التي تقدّموا بها بحثاً عن فرص أخرى لهم خارج لبنان، ونحن سعداء أنّنا أعدنا لهؤلاء الاشخاص الأمل بهذا البلد». وشدّد على «أنّ الشفافية هي ما سيميّز أداء المرحلة المستقبلية، ومن بينها الشفافية في مصارحة الزحليين بواقع المستشفى. فهذا مستشفى تابع للوقف ولكنّه ملك المدينة. ولذلك نحن نصرّ على أنّ هذا المستشفى من الناحية المالية يجب أن يؤمّن نفقاته، ونفقات تطوره، ولكن ليس الهدف تكديس الأموال».
ونفى بخاش ردّاً على سؤال حول ما أثير حول تدخّلات سياسية سمحت بتخلّص المستشفى من ديونه السابقة، وقد بلغت وفقاً للمطّلعين مليونين و400 ألف دولار. فأكّد «أن لا تدخّلات سياسية، وكل ما حصل أن النائب ميشال ضاهر رافق المطران إبراهيم الى إجتماع عقد مع حاكم مصرف لبنان، تمّ خلاله التوافق على إحتساب تسعيرة الدولار بالنسبة للديون المستحقّة على المستشفى، على السعر الرسمي للدولار المحدّد بألف و500 ليرة، وهذا ما ساعد المستشفى للوقوف على رجليه من دون ديون، ولا حتى دين سياسي».
في المقابل، أضاء المتكلّمون في حفل التوقيع على العلامات الإيجابية للبروتوكول، لتحمل كلمة المطران إبراهيم التطمينات بأنّ «لا تغيير في ثوابت تل شيحا، لا في الهُويةِ ولا في الإنتماء»، مشدّداً «على أنّ الاتفاقية مع أهمّ وأكبر مستشفى في لبنان على الإطلاق تكمّل ولا تُنقِص وتَزيد ولا تُقلِّل». وهو ما شدّد عليه ايضاً البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ، رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ورئيس مجلس إدارة مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس» مشيراً الى أنّ «الجامعة اليسوعيّة وُجدت منذ 45 سنة على أرض البقاع كخادمة للتعليم والنموّ والتطوير عبر أكثر من كليّة وإختصاص. وأن تكون مؤتمنة اليوم على رسالة المستشفى، فذلك دعوة لنا بأن نطوّر الاختصاصات الطبيّة والتمريضيّة لتقوية المستشفى بخبرات وكفاءات جديدة».
ومن هنا شدّد مدير عام اوتيل ديو نسيب نصر على أهمّية «الخَيار الشجاع الذي تجرّأ عليه أوتيل ديو، على الرغم من أننّا نمرّ بأسوأ فترة عرفتها البلاد»، مكرّراً ما يردّده منذ بداية المئويّة الثانية لنشوء لبنان الكبير: «لم نعش مئة سنة، لنموت اليوم».
فهل يعيد هذا التعاون «تل شيحا» زحلة الى الخريطة الصحّية البقاعية؟ بخاش قال: «الرهان على تجاوب الاصدقاء في قبول مشروع التوأمة مع ادارة مستشفى اوتيل ديو، وعلى كل زحليّ أصيل يأبى أن يرى تراثاً زحلياً عريقاً يتهاوى من دون أن يحرّك ساكناً. وبالتالي سيحتاج النجاح الى تضافر الجهود المخلصين وتفهّم خصوصية هذا الصرح العريق والتعاطي الإيجابي مع القرارات بعيداً من تسييسها وشخصنتها».