كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
لم يخلُ العام الحالي من تأرجح أسعار الخضار والفاكهة صعوداً، حيث احتلّت بورصة البصل الصدارة، شاغلةً اللبنانيين ووزارة الزراعة التي عملت على حلّ أزمة إرتفاع السعر عبر الإستيراد ومنع التصدير، وكأنّ بالبصل وحده يحيا اللبناني، ومنه تُعدّ كلّ الوجبات.
تحت ضغط سعر صرف الدولار وإرتفاع التكاليف التي يحتاجها الموسم الزراعي المقبل، وقد بدأت طلائعه بعد العاصفة الثلجية الأخيرة، يئنّ المزارعون ويشكون من عدم قدرتهم على مجاراة غلاء أسعار البذار والأدوية والأسمدة التي يحتاجونها للبدء بتحضير الأرض لزراعة الخضار والأشجار المثمرة ، ولا يمكن لهم تركها من دون اعتناء، إذ يخسرون مورداً عمره سنوات يجنون منه في كلّ عام مردوداً مالياً يساعدهم في هذه الظروف الصعبة والقاهرة.
وفيما كان المزارعون العام الماضي يحضّرون لمواسمهم وفق الإمكانيات حين كان الدولار لا يزال عند حدود العشرينات، وجنى الموسم قبله كان مقبولاً بعد تصريفه وفق السوق السوداء، تضاعفت الأرقام هذا العام، وبلغت مستوياتٍ قياسية، والقادم ينذر بالأسوأ، إذ أصبح ما جنوه لا يساوي ربع القيمة، وعليه باتوا عاجزين عن إستقبال الموسم لهذا العام خوفاً من خسائر إضافية، وأسعار بالدولار لا يمكن تحمّلها وتعويضها.
يشكو المزارعون مع بداية موسم البذار في سهل البقاع من ارتفاع التكلفة لا سيّما أسعار البذار والسماد، حيث تنتشر زراعة البطاطا والبصل والقمح، وأصناف أخرى من الحبوب، وفي وقت كانت الدولة تؤمّن عبر وزارة الزراعة وبتمويل من مصرف لبنان البذار بأسعار مدعومة ما ينعكس أرباحاً للمزارع وأسعاراً مقبولة للمواطنين، وتُرك المزارعون لمصيرهم يتدبّرون أمورهم في سبيل تأمين البذار التي تُباع بالفريش دولار، إضافةً الى الأسمدة وأدوية الرشّ وغيرها.
ويؤكّد أحد مزارعي البطاطا في سهل بعلبك «أنّ الموسم هذا العام مهدّد بخطر فعلي بسبب ارتفاع التكاليف، فسعر طن البذار من البطاطا يزيد عن 300$، فيما تتراوح أسعار السماد بين 500 و1200$، ناهيك عن أسعار المحروقات التي لا يمكن توقّعها بسبب إرتفاع سعر الصرف، وعليه لا تصوّر واضحاً حتى الآن حول تكلفة الدونم الواحد من البطاطا، ولا يمكن توقّع تكلفة الكيلو الواحد وبسعر مبيعه في السوق، فتكاليف الإنتاج مرتبطة بسعر صرف الدولار الذي يأخذ منحى تصاعدياً ولا يمكن التنبّؤ بشيء».
ويلفت إلى امتناع عدد من المزارعين عن زراعة أرضهم خوفاً من الخسائر ولعدم قدرتهم على تحمّل الأعباء الكبيرة، في وقت يغيب الدعم الكلّي عنهم، «ولم يكن إنتاج العام الفائت كافياً للتحضير لموسم هذا العام، فصعود الدولار داهمنا باكراً، وفي وقتٍ كنّا نسدد أعباء السنة الماضية، كان يجب علينا التحضير للموسم الزراعي الحالي، والذي سيكون صعباً على المزارعين والمواطنين لجهة ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر رغم معاناة الناس من الغلاء الحالي».
معاناة مزارعي الحبوب والخضار والبطاطا لا تختلف عمّا يواجهه مزارعو الأشجار المثمرة في مختلف البلدات البقاعية، وخصوصاً مزارعي التفاح والكرز، حيث يبدأ موسمهم بتقليم الأشجار، وبدء رشّ الزيوت الشتوية لحمايتها من الآفات والأمراض، والأسمدة والأدوية على مدار الموسم. ويقول أحد المزارعين «إنّ الموسم هذا العام محفوف بالمخاطر، فأسعار الأدوية والسماد بالدولار الفريش، والموسم السابق ذهب نصف ثمنه إلى أصحاب البرّادات الزراعية التي وضعنا فيها التفاح للحصول على أسعارٍ أفضل من تلك التي دفعت لنا عند بداية موسم القطاف، وتكلفة الرشّ على مدار العام باهظة، ونحن نلاحق الآفات التي تصيب التفاح باستمرار ونضطرّ أحياناً للرشّ مرّتين وثلاث في الشهر، وكلّ ذلك مدفوع الثمن، إضافةً الى ثمن السماد للحصول على نوعية جيدة، ناهيك عن ثمن المازوت المرتفع أصلاً، فالوضع هذا العام لا يبشّر بالخير والمطلوب جهات داعمة ومانحة تقف الى جانب المزارعين ليبقوا صامدين في أرضهم ويعتاشون منها».