كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تضمّ محافظة بعلبك الهرمل العدد الأكبر من النازحين والمخيمات، حيث يفوق عددهم الثلاثمئة ألف نازح، موزّعين على مناطق مختلفة في عرسال والقاع ودير الأحمر والتل الأبيض، وغيرها من البلدات التي حطّت فيها رحال من هجّروا قسراً منذ العام 2011 أو اختاروا طوعاً اللجوء الى لبنان.
حملت بلدة عرسال البقاعية، المحاذية للقلمون السوري وريف حمص، وزر النزوح ونتائجه السلبية نيابة عن لبنان بأكمله، وتحمّلت ضعفي عدد سكانها من السوريين، وعانت من المجموعات المسلحة والتكفيرية، فتعرّضت للهجمات المسلحة، وقتل عدد من أبنائها، كذلك لم تسلم من نظرة المحيط لها على أنها موالية ومساندة لتلك الجماعات.
عرسال
أكثر من سبعين ألفاً، ما يعادل ضعفي عدد سكان بلدة عرسال هو عدد النازحين القاطنين، والموزّعين على 150 مخيّماً من مختلف الأحجام وعدد الخيم، وفق ما يؤكد رئيس بلدية عرسال المستقيلة باسل الحجيري، ويشير في حديث لـ»نداء الوطن» إلى «أن إحصاءات الولادات للسوريين في البلدة غير دقيقة لكنّها توازي إلى حدّ كبير ولادات اللبنانيين، وتواجه عرسال مشاكل عدّة أبرزها تحديات الحفاظ على البيئة بسبب المخيّمات وما ينتج عنها، فيما تغيب المشاكل الأخرى مع النازحين بسبب التعاون الموجود بين المجتمعين المضيف والنازح لمواجهة صعوبات المرحلتين الإقتصادية والمعيشية».
ويضيف الحجيري «أن المراكز الصحّية التي أقفلت أخيراً في البلدة، وجدت مع وجود النزوح السوري بسبب حاجتها، وضعف الخدمات الصحّية من الدولة قبل النزوح وبعده، وشملت فائدتها اللبناني والسوري معاً، واليوم اذا تمّ تأمين المستشفى الحكومي الذي وعدت فيه البلدة فيتمّ الإستغناء عن تلك المراكز».
وأكّد أنّ بلدية عرسال «كانت الأولى في اتخاذ إجراءات لضبط حركة عمل وتنقّل السوريين في ظّل وجود السلاح فوق رؤوسنا المسلط من قبل المجموعات المسلحة حينها، كمنع التجوال والتصريح عن مكان السكن وإشغال المحلات، وسبب طلب الخيمة، كذلك أرسلنا كتاباً إلى وزارة الداخلية بضرورة جمع المخيّمات في مكان واحد ضمن خراج البلدة وبشكل منظّم، ما يسهّل عملنا وعمل الدولة من دون أن نلقى تجاوباً»، كذلك نفى الحجيري عمليات بيع أراضٍ أو منازل للسوريين، و»إن حصلت فنسبتها ضئيلة جداً، كذلك يشارك سوريون في أعمالٍ مخلّة بالأمن ضمن عصابات مشتركة كالسرقة مثلاً».
القاع
لا يختلف المشهد كثيراً في بلدة القاع عن جارتها عرسال التي تجاورها في الحدود، وتشاركها في المعاناة، وسالت فيها دماء أبرياء ذهبوا نتيجة هجمات ارهابية وتفجيرات.
وفتحت بلديتها الباب على مصراعيه في سبيل حلّ الأزمة التي تعاني منها جرّاء هذا النزوح وثقل تواجد السوريين فيها، حالها كحال بلداتٍ عدة في البقاع الشمالي.
يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ»نداء الوطن»: «إنّ عدد النازحين السوريين في البلدة يبلغ 33 ألف نازح، مقابل 12 ألف نسمة بين قاعيين وقاطنين من غير السوريين، ويقسم السوريون الى قسمين: الأول من الذين كانوا سابقاً في البلدة ويعملون في الزراعة، والقسم الثاني من ريف القصير ومحيطها وقد قدموا خلال الحرب السورية، كذلك يقطن 2000 لبناني لديهم جنسيات سورية، وهؤلاء الناس يسكنون على أراضٍ تمّ وضع اليد عليها، وهي أراضٍ للبلدية أو للجمهورية اللبنانية، وأيضاً هناك سوريون يضعون أيديهم على أراضٍ في القاع منذ ما قبل 2005، وعندما غادر السوري من لبنان أوكلوها الى لبنانيين.
ويضيف مطر أنّ بعض السوريين يشترون أراضي في القاع من لبنانيين أو يضمنون تلك الأرض، لكنّها لا تسجل كونها مشغولة بطريقة غير قانونية، وعند السؤال عنها يكون الجواب إنها للبنانيين، كذلك يعمل السوريون في مختلف المجالات.
وأوضح أنّ مشاكل كثيرة تواجه القاعيين بسبب النزوح، منها: الحوادث التي تقع بسبب الدراجات النارية، والسيارات التي تسجّل بموجب وكالات وينقلون فيها طلاب مدارس، كذلك مشاكل الكهرباء والمياه والسرقات التي تحصل، اضافة الى مشاكل البيئة والنفايات التي تنتج عنهم. وتخوّف من مشاكل طائفية ومذهبية بسبب العدد الكبير والولادات التي تحصل، وأن تلحق قضية النزوح السوري القضية الفلسطينية، ويبقوا هنا ونصبح نحن في أرضنا لاجئين، فالمشكلة الأساسية هي في البقاء الدائم.
وختم أنّ هناك نازحين يشاركون لبنانيين في جرائم متعددة كالسرقة والتفجيرات سابقاً، ومحاولة قتل أثناء عمليات السرقة، ونحن سنطبّق القانون في جميع المجالات، وسنتّخذ اجراءات أكثر في سبيل ضبط التفلّت الحاصل بالرغم من الصعوبات التي سنواجهها.
دير الأحمر
وفي منطقة دير الأحمر، فقد نفّذ أهلها عصر أمس وقفة إحتجاجية واعتصاماً بعد توقيف عصابة سرقة من نازحين سوريين في مخفر بلدة دير الأحمر، برئاسة إمرأة توزع الأدوار على زوجها واقربائها، كما مردود المسروقات (أسلحة صيد وأغراض ثمينة) بعد تصريفها وبيعها في مناطق بعيدة عن دير الأحمر، وهو ما يسلط الضوء على إنخراط النازحين السوريين في عمليات السرقة والإخلال بالأمن الإجتماعي. وفي هذا السياق، يقول رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر جان الفخري لـ»نداء الوطن» إنّ «هذه هي المشكلة الأولى التي نواجهها مع النازحين، إضافة إلى المشاكل البيئية المتعلقة بالنفايات، والمشاكل والحوادث التي تنتج عن الدراجات النارية والسيارات غير المسجّلة»، مضيفاً «أنّ هناك خلافات بين النازحين (عصابات السرقة) لا تظهر الى العلن، حول تقاسم المغانم، ويتم حلّها ضمن المخيمات كي لا تدخل القوى الأمنية عليها، ناهيك عن مشكلة الأجر في ما يخصّ العمل الزراعي وعدم التزامهم بالتسعيرة بسبب مردود اضافي يدخل عليهم».
وأوضح «أنّ عدد النازحين في المنطقة يبلغ أكثر من عشرة آلاف نازح موزّعين في بلدتي دير الأحمر وبتدعي، وقد أجرى الاتحاد دراسة على نسبة من النازحين لمعرفة عدد الولادات ونسبتها من النازحين ككل، حيث شكّل الأطفال وما دون الـ15 سنة ما نسبته 48 بالمئة من النازحين وهو ما يدل على ارتفاع معدّل الولادات خلال فترة وجود النازحين في لبنان منذ بدء الأزمة». ونفى الفخري عمليات بيع أراضٍ أو منازل ضمن منطقة دير الأحمر وجوارها.
معاناة اللبنانيين من النازحين السوريين تكاد تكون متشابهة في مختلف المحافظات والبلدات، فمدينة بعلبك والبلدات المحيطة، لا تختلف فيها الصورة عن المناطق سابقة الذكر، بل تتعدّاها الى فتح محال كبيرة من محلات «وان دولار» وخضار، وبأسماء لبنانية وتغطية أمنية في بعض الأوقات، من دون حسيب أو رقيب من وزارة الإقتصاد ودائرة العمل، للتدقيق في أسماء العاملين والرخص التي يعملون وفقها. فبعض الأجهزة الأمنية تعلم أن تلك المحال تعود بكاملها للسوريين، وبعض العناصر يفتحون علاقات مع أصحابها ويغطونهم، ولبنانيون كثر يرون بأمّ أعينهم كيف يمرّ هؤلاء على المحال باختلاف ما تبيع من أصناف، يشترون من دون أن يدفعوا ثمنها، حتى أصبح للعديد من أصحاب تلك المحال علاقات أمنية قوية ويعالجون عبرها المشاكل التي تواجه أشقاءهم السوريين.