كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
تميّز بعض المدن والقرى اللبنانية خصوصية سياحية أرست تقاليد خاصة بها، لم تنقطع المجتمعات عن ممارستها إلّا في الظروف الاستثنائية. و»مهرجانات الكرمة السياحية» هي من هذه التقاليد التي أحيتها مدينة زحلة منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، حتى قبل أن تدعى «مهرجان الكرمة» منذ منتصف القرن الماضي.
تشكّل «مهرجانات الكرمة» محطة سنوية تؤكد خلالها زحلة علاقة التوأمة مع منتجها الزراعي الأبرز. وعليه، لا تهمل «مدينة الشعر والخمر» إحياء هذه المهرجانات إلا في ظروف قاهرة جداً. وهي تجتهد لتعانق هذا التقليد بعد كل أزمة تؤدي إلى انفصالها عنه. وقد كان طموح الزحليين دائماً أن يرتقوا به إلى مستوى المهرجانات الدولية، قبل أن يتقلص هذا الطموح مجدّداً لأسباب مختلفة، ويصطدم منذ نهاية عام 2019 بالظروف الإقتصادية وما خلّفه استمرارها من تداعيات على عمل البلديات أسوة بسائر المؤسسات.
في المقابل كادت تداعيات الأزمة الإقتصادية التي يعيشها لبنان حالياً تعادل مفعول الظروف الأمنية والسياسية التي حالت دون تنظيم مهرجانات الكرمة خلال سنوات ماضية. سواء في عامي 1958 و1959 عندما أدى وقوع انفجار في زحلة إلى سقوط ضحايا، وبالتالي إلغاء كل الإحتفالات فيها، أو عندما أوقفت الحرب اللبنانية هذا التقليد لمدة 17 سنة، أو حتى خلال عدوان تموز 2006 وغيرها من الظروف السياسية أو الأمنية القاهرة.
فعلى رغم استعادة بعض المهرجانات الدولية التي تنظم في مختلف المناطق اللبنانية زخمها هذا العام، لا تبدو حظوظ المهرجانات المحلية متساوية لاستعادة الزخم نفسه. ومع ذلك تشهد زحلة خلال الصيف الجاري إلتقاءً لجهود فردية عاندت الظروف بتشجيع من السلطة المحلية، وقررت المضي ببرنامج أنشطة غذّتها بلدية زحلة في السنوات الماضية، لتتحول تقليداً سنوياً من ضمن مهرجانات الكرمة السياحية، وتمدّد فعالياتها لنحو شهر تقريباً.
مع أنّ بلدية زحلة حصرت دعمها هذا العام بمساندة هذه الجمعيات تقنياً ولوجستياً نتيجة التراجع الحاد في قيمة مقدراتها المالية، لم تتراجع حماسة بعض هذه الجمعيات والهيئات على السير بمشاريعها، خصوصاً بسبب ما توفّره هذه الأنشطة من مداخيل مالية تساعدها على الإستمرار في تأدية مهمتها الإنسانية. وعليه، حمل هؤلاء الشعلة فردياً، وأصرّوا على إعادة تنظيم بعض الأنشطة، وتأمين نجاحها ولو باللحم الحي.
يقول عضو مجلس بلدية زحلة المسؤول عن لجنة المهرجانات كميل العموري: «بعدما وقفت البلدية إلى جانب هذه الجمعيات في السنوات الماضية، يبدو أنّه آن الأوان لتظهر هذه الجمعيات وقوفها إلى جانب المدينة في الظرف الصعب الذي نمر فيه، وتستمرّ في محاولات إدخال الفرحة إلى قلوب أهالي المدينة والجوار». ومقابل إتاحة بلدية زحلة مساحاتها العامة لتنظيم فعاليات المهرجان، بحثت الجمعيات هذا العام عن مصادر تمويل خاصة، سمحت حتى الآن بتنظيم نشاطين بارزين، أحدهما تنظّمه شبيبة «كاريتاس» بعنوان «تعشّى وتمشّى وسهار»، وقد أصبح محطة سنوية تقليدية في المدينة. فيما لا تزال فعاليات هذه الأنشطة مستمرّة، وستتابع فصولها مع حفلات موسيقية وأخرى غنائية وإستعراضية تسعى لإستقطاب الجماهير حتى من خارج مدينة زحلة، ومن ضمنها حفل موسيقي للعازف غي مانوكيان ينظّمه إتحاد الجمعيات في زحلة، وسيعود ريعه لمساندة العائلات الأكثر ضعفاً فيها، وهذا ما يجعل للمشاركة في هذه الفعاليات بُعداً إجتماعياً إنسانياً يشرك اللبنانيين في دعم الجمعيات وتأمين إستمرارية خدمتها الإجتماعية والإنسانية.
ولكن إحياء هذه الأنشطة لا يشيح النظر عن سقوط ركن أساسي من أركان مهرجانات الكرمة السياحية أي «مهرجان عربات الزهور». وهو مهرجان إستقطب في الماضي رواداً من مختلف أنحاء لبنان، ومع أنّ زخمه تراجع في السنوات الماضية، ولكنه بقي محطة ينتظرها الزحليون كل سنة، وتعتبرها بلدية زحلة مناسبة لتقدم خلالها جردة حساب بمشاريعها المنجزة وتلك المنتظرة.
قلّصت الظروف الإقتصادية الطموحات على كل المستويات، مثلما قلّصت المشاريع والإنجازات، لتتغلّب عليها مبادرات فردية، لا تزال تعاند الظروف حتى لا تسمح بعزل زحلة عن الفورة السياحية المرتقبة لبنانياً. وبفضل هذه المبادرات والتعاون الذي يبرزه بعض أصحابها، سواء مع بلديتهم أو بين بعضهم البعض يبدو الزحليون مرتاحين لموسم إصطياف سجّل حتى الآن حركة إستثنائية.