كتبت لينا اسماعيل في النهار،
اعتاد المجتمع البعلبكي أن يتحدث عن زراعة المخدرات وتجارتها ومكافحتها ومدمنيها بصيغة ذكوريّة، ولم يكن للإناث في عالم النبتة العجيبة” جمل يعارك. لكن أحوال البلاد تبدلت، وكذا العباد، وغدا للمرأة في هذا العالم جمل وناقة، وأحاديث تتردد على الألسنة المختلفة مع كل مداهمة يقوم بها الجيش، في إطار حملته للقضاء على هذه الآفة؛ فهذا المجتمع المحافظ الرجل والمرأة، لكن وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالمرأة أكبر من ارتباطها بالرجل وقد أصبحا شريكين في صناعته ما لم يعد يخضع للمعايير السالفة، وقد
ساوى بين نسائه ورجاله، أو لنقل: إنهن انتزعن حقوقهن.
فما الأسباب؟
لا تختلف الأسباب كثيراً في مجال هذه الآفة بين الرجل والمرأة، لكن وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالمرأة أكبر من ارتباطها بالرجل، وقد أصبحا شريكين في صناعتهما وتعاطيهما وتجارتهما بالمخدرات، حيث استغلت عصابات المخدرات الظروف الاقتصادية والاجتماعية للجنس اللطيف لصرف الشبهات عنهم .
وبحسب الإحصاءات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والجمعيات المعنية في هذا المجال، تؤكد الأرقام وفق معلومات لـ”النهار”، مدى الجدية في مكافحة هذه الآفة، غير ان تلك الأرقام المعروضة لا تعكس الواقع المرير الذي نعيشه، ذلك أن معظم الحالات “النسوية” محاطة بالسرية، كونها وصمة عار عائلية، خصوصاً في ما يتعلق بمصير الفتاة، حتى ان الحديث عنها مغلّف بحذر من دون التطرق إلى أسباب توجهها الى هذا الأمر، بل إن المؤلم هو ان هذه العائلات لا تبحث عن الأسباب أو طريقة العلاج بل كيفية التخلص منها.
وتزيد نسبة النساء ضمن ظاهرة المخدرات في جميع مجالاتها، في بعلبك – الهرمل، عن 16 في المئة، مع كونهن أكثر إدماناً على المخدرات بين سن 16 و 35.
وفي معلومات لـ”النهار” أنه جرى توقيف 225 فتاة بين لبنانية ونازحة . سورية، معظمهن قاصرات بتهمة تعاطي . المخدرات، و 25 بجريمة التصنيع، و156 فتاة تم استغلالهن من قبل عصابات المخدرات في عمليات الترويج والنقل، من بداية العام حتى تموز الماضي، فيما بلغت أعدادهن 298 فتاة بتهم التعاطي، 13 التصنيع، 87 الترويج والنقل عام 2022.
وبالحديث مع بعضهن نجد أن الفتاة تعرضت لضغوط كثيرة خلال مراحل حياتها من جميع الجهات، مما جعلها تنتقل إلى العديد من السلوكيات التي تنتهك القيم والعادات الاجتماعية، بما في ذلك تعاطي المخدرات والترويج لها، والسرقة، والدعارة السرية أو المقنّعة والعلنية، والابتزاز من خلال هذه الأخيرة لإيقاع النساء في شرك الاتجار بالمخدرات. بين الفضول وحب التجربة واضطراب الشخصية والتفكك الأسري، وقعت كل من زينب ج. (19 عاما) ونهال أ. 22 عاما) وميساء ي من بعلبك – الهرمل، فريسة الإدمان، مؤكدين لـ “النهار” ان الإدمان اجبرهن على نقل المخدرات من بعلبك إلى بيروت مقابل كمية من المخدرات للاستخدام الشخصي، فيما زينب إ. أجبرها الوضع الاقتصادي لعائلتها على نقل المخدرات إلى خارج بعلبك والأراضي اللبنانية مقابل مبالغ مالية بسيطة من دون الوقوع في براثن الإدمان. أما ريماز. وهي نازحة من سوريا تبلغ
من العمر 29 عاما، فـان تـعـاطـي زوجـهـا المخدرات، أدى إلى تجربتها النوع نفسه وإجبارها على ممارسة الدعارة، مقابل إعطائها الحشيشة.
السورية سمر ح. (33 عاما) أجبرتها الحياة على الهروب من زوجـة والـدهـا وممارسة الدعارة المقنّعة، مقابل المال، فتطورت الأمور إلى إدمان وسرقة وتسوّل والانضمام إلى عصابة لإنجاز أي مهمة تُطلب منها مقابل مبلغ صغير من المال.
السيدة فاطمة ز . (54عاما) كانت تساعد عائلتها في زراعة الأفيون ( حشيشة الكيف) منذ الصغر، وبعد زواجها ساعدت زوجها في الزراعة والصناعة، وفي عام 2015 جرى توقيف زوجها لتتولى مهام الزراعة والتصنيع والتجارة، ولكن تم القبض عليها أيضا وغادرت السجن لاحقا.
جنى س. (21 عاما) عانت خلال فترة المراهقة من نزعة الانعزال والانقطاع عن الأهل والأصدقاء، مما سهل العلاقة مع أحدهم أجبرها على الترويج من خلال الابتزاز ثم تجربة المخدرات للهروب من واقعها.
تجارب مختلفة، معاناة واحدة، والنهاية بلاء جعل هؤلاء النساء يتعدين على المحظورات ويشبعن رغباتهن، وأخطر من كل ذلك، مما تسبب بانحطاط أخلاقي وتراجع في القيم والمبادئ التي من المفترض أن تترسخ في المجتمع، من خلالهن كأم، وأخت، ومعلمة، وما إلى ذلك، وقد يكون دخولهن في البرامج العلاجية أصعب عقبة أمامهن، حيث يحاولن التغلب على عدم قدرتهن على الاندماج مع مجتمعهن في بعلبك – الهرمل الذي فصلن منه فكريا ونفسيا وعاطفيا مما يجعلهن يشعرن بالعجز والوخز، اضافة إلى المعوقات الاجتماعية واللوجستية المفروضة عليهن والتي يرفض الأخريات العلاج وطلب المساعدة بسببها. قد يلجأ بعضهن إلى المخدرات هرباً من الفشل والعوز والبطالة، خصوصا أن الإدمان غالباً ما يبدأ في سن الخامسة عشرة حيث تعمد الفتيات في كثير من الأحيان الى تدخين السجائر والنرجيلة، التي أصبحت في مجتمعنا الحديث ظاهرة مدمرة مثل المخدرات، لأنها تشل قدرات الفتيات اللواتي سيصبحن أمهات في المستقبل وتنشئ جيلاً ضعيفاً، وتاليا يصبحن غير قادرات على المساهمة بشكل فعال في بناء مجتمعهن.