كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تتعالى أصوات البعلبكيين على اختلاف أحيائهم ومذاهبهم للمطالبة بأبسط حقوقهم في تأمين مياه الشفة التي تغيب عنهم منذ أسابيع، ويصمّ المسؤولون آذانهم عن ايجاد الحلول والتخفيف عن الناس عبء تكاليف شراء المياه.
وكأنه لا يكفي الناس الحرّ الشديد الذي يلهب الصدور، والمترافق مع تقنين قاسٍ للكهرباء في محافظة بعلبك الهرمل، وعدم قدرة أكثر من نصف سكان المنطقة على تركيب أنظمة طاقة شمسية تخفف عن كاهلهم لهيب الشمس، وتأمين مياه باردة، حتى جاءت أزمة المياه وانقطاعها عن عددٍ كبير من أحياء مدينة بعلبك، لتجتمع كل الظروف على المواطنين، حيث صار الأمر أشبه بالمؤامرة بين شركة الكهرباء والمياه والطقس. لم يمضِ شهران على افتتاح وزير الطاقة والمياه وليد فياض منظومة مياه نبعي عين «دردرة» و»كوكب» في أعالي مدينة بعلبك، وقد أنشأتها ونفّذتها مؤسسة مياه البقاع بالشراكة مع «اليونيسف»، لتكون أحد أهم المشاريع التي تنفّذ وتغطي حاجات أحياء المدينة ومحيطها، لكن الشعار الذي أطلقه فياض حينها أنّ «المياه حق لكل مواطن وثروة لكل الوطن» لم يكن على قدر تطلعات أهالي المدينة الذين يعانون شحّاً في المياه منذ شهر، في ظل طقس صيفي غير اعتيادي، ودرجات حرارة مرتفعة، تتزامن وارتفاع أسعار المياه المنقولة بالصهاريج التي لا تهدأ حركتها طوال النهار في معظم الأحياء، ناهيك عن ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، فـ»نقلة» صهريج المياه التي لا تكفي لمدة أسبوع يصل ثمنها إلى مليون ليرة، وذلك بحسب المسافة والمنطقة، وفي حسبةٍ بسيطة يحتاج المنزل الى أربعٍ منها خلال شهر، مع مراعاة التقنين.
مطالبة أهالي بعلبك التي بدأت منذ شهر بلغت اليوم حدود تنظيم وفد نسائي من سكان المدينة توجّه الى دائرة مياه بعلبك، للاطلاع على الأسباب التي تمنع وصول المياه الى بعض الأحياء، فيما تنعم أحياء أخرى بترف وجودها بشكل يومي. وفي حين توجّه أصابع الاتهام كل عام في مثل هذه الأوقات إلى مؤسسة المياه عن فساد داخل أروقتها، يتجلّى بالحديث عن بيع نافذين في المؤسسة المياه لأحياء دون أخرى، وبيع المحروقات التي قدّمها «حزب الله» للمولدات لتشغيل الآبار، وعن بيع المياه للمسابح، وتحكّم موظفي التحويل بها. وقد تراجعت الآمال التي كانت معلقة على نبعي «دردرة» و»كوكب» في تأمين المياه لكل الأحياء.
مدير مصلحة مياه بعلبك محمد اسماعيل أوضح للوفد النسائي «أنّ الآبار التي تغذّي الشبكة تتعرّض للتخريب، والمياه المتوافرة اليوم هي أكثر من تلك التي كانت العام الفائت، وذلك بعد تنفيذ المشاريع الجديدة، ولكن هناك مشكلات تواجه المؤسسة، ومنها: الوحدات السكنية الكثيرة في مدينة بعلبك وقد تجاوزت 40 ألف وحدة سكنية، مشكلة الشبكات والخطوط التي نفّذت منذ عام 2000، والعشوائية في البناء وتداخل الشبكة في ما بينها، إضافة الى سرقة الخطوط والاعتداء عليها». وأضاف: «الأحياء في مدينة بعلبك على شبكة مياه واحدة، وعليه عندما يغذّى حي بالمياه التي تمرّ في عدة أحياء يخفّ ضغطها قبل وصولها الى الحي المعني». مشكلة غياب مياه الشفة عن عدد من أحياء مدينة بعلبك، تقابلها مشكلة أكبر تتمثّل بدخول مياه الصرف الصحي على الشبكة الرئيسية الممدّدة تحت الأرض والتي توصل المياه الى المنازل السكنية.
وفي مبادرة شخصية أجرت مجموعة من شبان المدينة فحوصاً للمياه التي تصلهم ليتبين أنها غير صالحة للشرب والإستعمال بفعل المياه الآسنة التي تختلط بها. كذلك شاهد أهالي بعلبك بأم العين صباح أمس تلوثاً كبيراً حلّ بمياه نهر رأس العين الذي يعتبر شرياناً أساسياً للمدينة ويروي بساتينها وجزءاً من سهلها. وبعد المراجعات حول ايجاد طرق للحل تبيّن أن شبكة مياه مدينة بعلبك لا خرائط لها لدى الجهات المعنية، ولا يمكن تحديد أماكن التسرّب ومعالجتها، وعليه يلزم الحفر من جديد والكشف على مكمن الخلل والتسرب، وإنقاذ الناس من مشاكل صحّية هم في غنى عنها في هذا الزمن الصعب.