– بعلبك – ترأس رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك والمدبر البطريركي لأبرشية بعلبك المطران إدوار جاورجيوس ضاهر، الذبيحة الإلهية في كاتدرائية القديستين بربارة وتقلا في بعلبك، لمناسبة عيد القديسة تقلا، شفيعة الأبرشية، وعاونه المطران الياس رحال والآباء: مروان معلوف، شربل طراد، ميشال دكان، اليان سعيِّد، برنار بشور والشماس الإنجيلي مروان عون.
وحضر القداس النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية، وفاعليات ووفود من أبناء الرعية.
وقال المطران ضاهر في عظته: “نجتمع وإياكم على اسم القديسة العظيمة في الشهيدات، القديسة تقلا، معادلة الرسل، شفيعة هذه الكنيسة المقدسة، وهذه الرعية المباركة، وهي مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعاً، لذا فإني أتقدَّم بالمعايدة القلبية من الذين يحملون اسمها، ويطلبون شفاعتها، ومن جميع أبناء وبنات هذه الرّعية المباركة، وجميع المشتركين والحاضرين معنا في هذه الذبيحة الإلهية، وأتمناه عيداً مقدساً مباركاً للجميع“.
وتابع: “عند الاحتفال بعيد القدِّيسة الشهيدة تقلا، لا يسعنا إلا أن نعود إلى بولس الرسول، وإلى مساعده تيموثاوس، لكونهما عرفا القديسة تقلا، فبولس هو الذي، بحسب التقاليد، علَّمها الإيمان بالسيد المسيح سنة 45 م، شارِحاً لها أنَّ “الله واحد، والوسيط بين الله والنَّاس واحد، المسيح يسوع – الإنسان، الذي بذل نفسه فداء عن الجميع ” ( 1 تيموثاوس 2: 5 )، ” وبعد أن ظهرَ في الجسد، وشهد له الروح” فبشّر به في الأمم، وآمن به العالم، وارتفع في مجد ” ( 1 تيموثاوس 3: 16 ). وهذه الحقائق الإيمانية التي تأصَّلت في نفوسنا، نحن الشرقيين، حتى أيامنا الحاضرة، تُشكل قانون الإيمان الأول والمختصر، الذي استجلب الارتدادات الكثيرة في العالم الوثني، فتسبب لهم بالاضطهادات الشرسة المشهورة“.
وأشار إلى أن “الشَّهيدة تقلا، حرقت المراحل، فما ان عرفت المسيح، وآمنت به، حتى تلألأت بجمال البتولية، حين تركت خطيبها الثري، وأؤتمنت على الرسالة، رسالة الإيمان، وحوَّلت لهيب النار إلى ندى، وسكَّنت ثورة الوحوش الضارية بصلواتها، وعندما أُطلق سراحها، لحقت ببولس الرسول، فشجعها وطلب إليها متابعة رسالتها وتبشيرها بالإنجيل“.
وأضاف: “عاشت هذه القدِّيسة البطلة، 90 عاماً، ورقدت بطمأنينة بعد أن ذاقت من العذابات ألواناً، وهكذا حققت في ذاتها المبدأ الذي أعلنه معلمها بولس الرسول لتيموثاوس تلميذه، أنَّ “جميع الذين يريدون أن يحيوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون ” ( 2 تيموثاوس 3: 16 )، وقد أصبح قبرها اليوم، محجة للمؤمنين، يفيض بالعجائب والنعم والبركات إلى اليوم. ولقد ذاع صيت قداستها، فأخذ الشعراء والآباء القديسون يمتدحون فضائلها“.
وأردف: “على غرار القديسة تقلا والقديس بولس، نحن اليوم، نتألم من المصاعب الاقتصادية، ومن شلل القضاء، ومن خضوعه للسياسة، ونتألم من استهتار المسؤولين وتقصيرهم في حسن إدارة شؤون البلاد، ونعاني من العوز، بالإضافة إلى القلق على المستقبل والمصير، وتزايد الهجرتين الداخلية والخارجية. هذا هو استشهادنا اليومي، ومع صاحب المزامير نردد باستمرار “إنَّنا لأجلك نمات النهار كله، لقد جُعلنا كغنم للذبح” ( مزمور 43: 22 ). إيمانُنا بالمسيح، نشهد له في الحياة أو في الموت: ” لأنَّ الحياة لي هي المسيح، والموت ربح” ( فيلبي 1: 21 )، وإيماننا بالمسيح يتطلب تقبلاً للخلاص الآتي من عنده، وهنا يجدر التذكير بأن الخلاص الذي يأتينا بالإيمان بيسوع المسيح، هو عطية مهيأة لجميع بني البشر الذين خلقوا على الأرض، وشاركوا المسيح في صورته البشريَّة، وسيتمجدون في السماوات، وعليه فجميع أبناء البشر من دون تمييز بين جنس وجنس، ودين ودين، وطائفة وطائفة، هم إخوة لنا. فنحن المسيحيين، إذن، معنيون بجميعِ إخوتنا لأن المسيح قد مات أيضاً لأجلهم، وسيمجدهم الله معنا. فلا يعقل أن تكون نظرتنا إلى الآخر نظرة تناحر، وتسابق وعداء. إنما يجب أن تكون نظرة أخوة وتعاون وتضامن، على غرار ما نظر إليهم يسوع بنفسه، الذي مات لأجلهم كما مات لأجلنا“.
وقال: “إنَّه لمن دواعي سروري أن أجتمع وإياكم في بيت الأبرشية الأول، كاتدرائية القديستين بربارة وتقلا، هذه الكاتدرائية الجميلة الواسعة الأرجاء، لأول مرة، منذ انتدابي لكي أقوم بمهمة مدبر بطريركي لهذه الأبرشية، إلى حين انتخاب مطران أصيل لها. إنَّ لقاءنا الروحي هذا حول المائدة المقدسة، بوجود إخوتي أصحاب السيادة الموقرين والكهنة المشاركين معنا، احتفاء بعيد إحدى الشفيعتين، ألا وهي العظيمة في الشهيدات ومعادلة الرسل تقلا الجديرة بكل مديح، هو فاتحة تعارف بيني وبينكم، وحافز لانطلاقة جديدة في حياة هذه الرعية، روحياً وحياتياً، فنعمل معاً، حسب منطلق شعاري الأسقفي ( شهادة في المحبة ). وإنني أغتنمها فرصة لأعبر لكم أيها الأحباء، الذين قدمتم من بعيد أو قريب عن محبتي واعتزازي بكم، وعن استعدادي قدر المستطاع، لكي أخدمكم، جماعة وأفراداً، بكل أمانة وإخلاص“.
ولفت إلى “الظروف والأحوال التي حلت بنا، وآلت إلى ما نحن عليه، خاصة منذ اندلاع الأحداث الأليمة التي عصفت ببلدنا العزيز لبنان، وما رافق ذلك من تبدلات متسارعة على جميع الأصعدة. وكان من مجملها رحيل الكثير من أبنائنا في بعلبك العظيمة، التي لقبت عبر التاريخ بمدينة الشمس، والذين كان لهم دور مميز بنهضتها وتميزها وعمرانها، والآن، بسبب الهجرة، نرى أن وهج الإشعاع الذي كان سائداً، أخذ بالضمور، لذلك اسمحوا لي أن أبثكم بعض هواجسي وأتمنى أن تصبح واقعاً. إنَّ هذه الأرض، هي أرض آبائنا وأجدادنا، وعلينا المحافظة عمَّا ورثناه من السَّلف الصالح، فلا يجوز أن نُفرط بما تبقى من بيوتنا وأملاكنا، وواجبٌ علينا أن نحافظ على وجودنا، وبالتالي ألا نتخلى عن دورنا بالحفاظ على العيش المشترك مع إخوة لنا في الوطن، لأننا، كما تعلمون، وكما يُعلمنا مخلصنا الرب يسوع: “الخمير في العجين“، ويريدنا أن نشهد دائماً لاسمه في هذا الشرق، حين قال: “وتكونون لي شهوداً“، وأوصانا ألا نجزع من قلة عددنا: “لا تخف أيها القطيع الصغير، وثقوا أني غلبت العالم“. فجلُّ مناي أن تلقى صرختي هذه آذاناً صاغية، وعزماً أكيداً، وإصراراً على البقاء. وأدعوكم لكي تبقوا، كما كنتم دائماً، ساعين إلى السَّلام، فتنعموا بالطوبى، إذ إنَّكم أبناء الله تُدعون“.
وختم المطران ضاهر: “إنني أُجدد لكم التهاني بهذا العيد، وأصلي معكم ولأجلكم، وأطلب إلى الله، بإلحاح، أن تتحول حياتنا فيما بين بعضنا البعض، إلى ميدان جهاد من المحبة التي توحد بالله، لأن الله محبة. شكري لكل من تعب وحضر هذا الاحتفال، والشكر لرجال الصحافة والإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، وشكري الخاص لكل ضباط وعناصر الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية، والشكر موصول لسيادة المطران الياس رحال، ولقدس الأب مروان معلوف، وللأخوات الراهبات، والشكر لكم جميعا، لحضوركم ولمشاركتكم، أبناء وبنات هذه الرعية المباركة، أعاده الله عليكم، بشفاعة القديسة تقلا، بالصحة والنعمة والعمر المديد، مشمولين ببركة الثالوث الأقدس: الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين“.
وتلا القداس “لقمة محبة” ولقاء تعارفي.