كتب عيسى يحيى،
أمعنت السلطة الحاكمة في افقار اللبنانيين وتجويعهم، وتركتهم لمصيرهم يواجهون الصعاب والمشقات من دون أي حلول أو خطط تخفف وطأة معاناتهم ومشاكلهم التي تتزايد يوماً بعد آخر، وتظهر معها هشاشة الوضع الذي وصلنا اليه.
لم تعد أنفس اللبنانيين تتسعُ ولو قدراً بسيطاً من الهموم والأزمات التي تكبر ككرة ثلج لا يعلم أحدٌ متى تتوقف، ومعها تتكبل أيديهم وتعجز حتى عن شراء حبة الدواء التي بات يحسب لها ألف حساب وتوضع لها ميزانية خاصة إذا قدّر لأحد وكان يحمل في جيبه ثمنها، أما غير المقتدرين فيلتزمون منازلهم، يئنون تحت أوجاعهم، يداوون مرضاهم بالأعشاب والصلوات، ومن يحتاج إلى أدوية مزمنة وعلاجٍ دائم يتنقل من صيدليةٍ إلى أخرى يبحث عن البدائل بعدما طارت أسعارها ورفع الدعم عنها، ومنهم من يشتري الأدوية ذات الصناعة السورية والايرانية لانخفاض ثمنها مقارنةً مع نظيرتها اللبنانية.
منذ أسبوع وأصوات المواطنين وصرخاتهم في الصيدليات لا تتوقف بعد الجنون الذي اقترفته الحكومة بحق الناس ووافقت عليه وزارة الصحة. أحداث ومواقف يعيشها الصيادلة بشكل يومي، يسردها أحدهم لـ “نداء الوطن” فيقول: “تكشفت هذا الأسبوع أحوال الناس وأوضاعهم وعجزهم عن مداواة أنفسهم ومرضاهم، وهذه المرحلة تختلف عن مرحلة فقدان الأدوية وتهريبها، ويومها احتكر بعض الصيادلة الأدوية وباعوها بأضعاف أسعارها الى سوريا، لكن بعضهم الآخر بقي يشعر مع الناس ويؤمّن لهم أدويتهم قدر المستطاع والأسعار كانت قدر إستطاعة الناس، أما اليوم فالمشهد مختلف، الأدوية موجودة لكن ثمنها مفقود، عشرات المواطنين يومياً يدخلون الصيدلية لطلب أدوية بديلة وبثمنٍ أقل، والبعض الآخر يطلب نصف علبة أو ظرفاً واحداً من دوائه يكفيه لأيام قليلة بانتظار الفرج وتأمين ثمن باقي الدواء، وما بين تلك الحالات من يتوسل لاستدانة الدواء الدائم فهو لا يستطيع أن يتخلى عنه يوماً واحداً، وآخر يفضّل أن يجلب الطعام لأولاده بثمن الدواء وهو بأمسّ الحاجة اليه”، مضيفاً بأن “المعاناة ستتزايد خلال الأيام المقبلة وستظهر الحالات المرضية أكثر وأكثر ودخول المستشفيات والحالات الطارئة سترتفع”، مؤكداً أن الطلب على الأدوية السورية والايرانية يزداد فلا خيار أمام الناس غيرها”.
من جهته يشير محمد ي. الى أن ارتفاع الأسعار جاء كالضربة على الرأس التي لا يستطيع أن يصحو منها، فالدواء المزمن لوالده بات يكلف شهرياً المليون ومئة ألف ليرة أي راتب الشهر، ووالده لا يستطيع أن يستغني عنه لساعات، ضارباً أخماسه بأسداسه وكيف سيتدبّر أمره في ظل الأوضاع المأسوية التي تزداد قساوتها.
قساوة مشهد ارتفاع أسعار الادوية يلاقيه عجزٌ عن الاستشفاء ودخول المستشفى لتلقي العلاج، حيث ارتفعت الفاتورة الاستشفائية أضعافاً مضاعفة، وغابت الجهات الضامنة عن تغطية النفقات بشكل كامل، وسارعت المستشفيات الى احتساب التكاليف على سعر الصرف وفرق الدولار، وتكبيد الناس فروقات العلاج ليصل ببعضها الى احتجاز جثامين وحجز مرضى لعدم تمكّنهم من دفع المستحقات عليهم، وسط مناشدات ووساطات لم تنفع في تخفيض الفاتورة التي تساوي الراتب خمس مرات، فيما ترأف بعضها بأوضاعهم في بعلبك الهرمل.
أكثر من عشرة ملايين دفعها سائق سيارة أجرة فرق ضمان للمستشفى بعدما قضى أربعة أيام فيه لتلقي العلاج، وسألت زوجته عن دور الضمان الاجتماعي في تغطية التكاليف رغم دفعهم المستحقات المتوجبة عليهم كل ثلاثة أشهر، متوجهةً الى محاسب المستشفى بالقول: هل كان زوجي يجلس في “شاليه” تلك الأيام حتى ندفع هذا المبلغ؟
وعلى المقلب الآخر، احتجز أحد المستشفيات جثمان مواطن تعرض لحادث سير على الطريق العام، حيث طالب بمبلغ 30 مليون ليرة لتسليم الجثة لذويه، وبعد وساطة أمنية كون الضحية عسكرياً متقاعداً خفض المبلغ الى عشرة، لترتفع الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي وتحكي عن حجم المعاناة داخل المستشفيات والمبالغ الخيالية التي تطالب بها مقابل خروج المرضى.
نقلاً عن نداء الوطن.