كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
بين العودة إلى الخدمة الفعلية لمدّة سنة نظراً الى ضيق أفق فرص العمل منذ خروج الكثيرين من السلك العسكري لبلوغهم السنّ القانونية، وبين عدم وضوح الآلية التي ستعتمد إذا قرّروا العودة، يقع المؤهّلون المسرّحون من قوى الأمن الداخلي، في حيرةٍ من أمرهم، بعد تعميم قرار تمديد سن التقاعد للراغبين في البقاء لمدة سنة قابلة للتجديد.
تشكو مؤسسة قوى الأمن الداخلي نقصاً في عديد عناصرها منذ سنوات، ولم تتح لها الظروف فتح دورات تطويع لسدّ العجز، سنداً للمادة 80 من قانون موازنة 2019 الذي منع التوظيف والتعاقد في القطاع العام، حتى في القطاعين الأمني والعسكري، وأسوةً بباقي المؤسسات الأمنية، ولا سيّما الجيش الذي يفتح باب التطوّع بشكلٍ دائم. ورغم أنّ هاتين المؤسستين هما الأساس في حفظ الأمن الداخلي وعلى الحدود، غير أنّ موازنة قوى الأمن والمحدّدة من وزارة المالية فرضت عليها تقشفاً على مرّ السنوات الماضية، طال الطبابة والاستشفاء لعناصرها، في ظل غياب المساعدات الخارجية، حيث كان للأزمة الإقتصادية والمعيشية التي بدأت رياحها تهبّ على اللبنانيين منذ عام 2019، وما رافقها من تدنّي قيمة الرواتب وارتفاع الأسعار، معطوفةً على فقدان قيمة التعويضات للذين خدموا الوطن أكثر من عشرين عاماً، ولم يتسنَّ لهم جرّاء غياب الآلية الواضحة وتحديد سعر الصرف الذي على أساسه ستصرف تلك التعويضات، دور بارز في تزايد نقص عديدها سواء لجهة إزدياد عدد المسرّحين لبلوغهم سن التقاعد من دون دخول بدلاء منهم، وإن لجهة فرار عدد كبير من الخدمة وسفرهم إلى خارج البلاد طمعاً بظروف أفضل.
أكثر من 5338 عنصراً أصبحوا خارج السلك منذ 2017 لبلوغهم السنّ القانونية، و1100 عنصر فرّوا من الخدمة منذ بداية الأزمة في لبنان عام 2019، ليبرز معها النقص الحادّ في عديد قوى الأمن الداخلي، الذي ينعكس إرباكاً على عمل المؤسسة لجهة مواجهة النزوح السوري، والمسؤوليات الداخلية الملقاة على عاتقها، ويظهر معها أيضاً الحاجة الى أكثر من سبعة آلاف عنصر. وعليه، فتحت قوى الأمن الداخلي أخيراً دورة تطويع 800 عنصر بعد موافقة مجلس الوزراء، على أن تكون الأفضلية لمن سبق وتقدّم بطلب خلال دورات الأعوام 2018 و2019 التي ألغيت، وحيث أنّ العدد المحدّد في الدورة لا يكفي سوى لعشرة في المئة من الحاجة الفعلية، ويوزّع بين إناث وذكور، عمدت قيادة قوى الأمن إلى حلٍ جزئي، تأمل من خلاله في سدّ موقت لهذه الحاجة لحين رسو البلاد والأوضاع على برّ الأمان.
وذكرت مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» أنّ قراراً صدر عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى قادة الوحدات لإبلاغ المؤهلين الذين أحيلوا على التقاعد خلال عام 2024 لبلوغهم السنّ القانونية، ويرغبون في العودة إلى متابعة الخدمة في قوى الأمن الداخلي وتمديد خدماتهم سنة قابلة للتجديد، بتقديم طلباتهم في مراكز قيادة المناطق، لتستتبع ببرقية للمتقاعدين عام 2023، ومن المتوقع أن تصدر برقية أيضاً للمسرّحين عام 2022. وأكدت المصادر أنّ الهدف من هذا الحل الموقت هو سدّ العجز بأبناء المؤسسة لحين اجتراح الحلول البديلة والدائمة، ولكون دورة التطويع التي أعلنت لا يزال الإقبال عليها ضعيفاً بخلاف ما كنّا نشهد، ولكون الذين تقدّموا بطلباتهم سابقاً لم تعد تسري عليهم شروط التطويع، والعديد منهم قد أصبح خارج البلاد أو التحق بوظيفةٍ أخرى.
وأوضحت المصادر أنّ الحل المقترح هو لضمان بقاء مؤسسة قوى الأمن الداخلي صامدة في وجه التحديات الداخلية الأمنية والقيام بواجباتها، إضافةً إلى تصاعد وتيرة أزمة النازحين السوريين، وهي من صميم عمل المؤسسة، كذلك يمكن أن يردف المؤسسة بألف عنصر يتمنون العودة إلى الخدمة في هذه الظروف الصعبة. فكثيرون ممّن أحيلوا على التقاعد من سنة ونيف حتى الآن، لا يزالون يبحثون عن عملٍ إضافي يؤمّن لهم إلى جانب راتبهم التقاعدي مردوداً مالياً لا بأس به.
ولكون الراتب التقاعدي، وبعد الزيادات الأخيرة يصل إلى مئتين وعشرين دولاراً، ومع العودة، يضمن هؤلاء وصول راتبهم الفعلي بعد الزيادات إضافة إلى قسائم المحروقات التي كانوا يحصلون عليها (10 صفائح شهرياً) إلى 500 دولار. غير أنّ الثغرة التي تعترض عودة هؤلاء، وتبقيهم متردّدين في تقديم طلباتهم تكمن في عدم وضوح الآلية التي سيعودون وفقها إلى الخدمة، سواء لجهة كمية المحروقات التي سيحصلون عليها، والراتب الذي سيتقاضونه، واحتسابه على أنه لا يزال ضمن الخدمة الفعلية أو متعاقداً جديداً، والتعامل معه كباقي العناصر في الخدمة الفعلية، وهو ما برز واضحاً خلال تقدّم كثيرين بطلبات العودة في قيادة المناطق وتوقيعهم طلبات التمديد، وعند سؤالهم عن تلك الآلية لم يكن هناك جواب واضح أو معرفة لجهة الراتب والمحروقات، والإكتفاء بتقديم الطلب لحين الإستدعاء والإلتحاق.