رامح حمية – الاخبار
كغيرها من البلدات الآمنة التي تستقبل نازحين في محافظة بعلبك – الهرمل, يؤرّق اقتراب الشتاء بلدة القاع التي حلّ فيها آلاف النازحين في غياب أدنى المقوّمات سواء في مراكز الإيواء أو في المنازل.
شخصاً نزحوا إلى القاع, معظمهم من مدينة الهرمل ومحيطها, يقيم نحو 3450 منهم (حوالى 834 عائلة) في بيوت مستأجرة, فيما نزلت البقية في أربعة مراكز للإيواء غير مجهّزة لاستقبال الشتاء, من بينها سوق الخُضر الذي اضطرت البلدية إلى ترتيبه لإيواء النازحين بعدما وصلت المراكز الثلاثة الأولى إلى قدرتها الاستيعابية القصوى. ويضمّ السوق 14 غرفة, تقع الحمامات خارجها, ما يشكّل أزمة كبيرة مع حلول البرد القارس. ورغم أن بلدية القاع اتّخذت قراراً بـ”ألّا يبقى نازح في الشارع”, وفق طارق طعمة من لجنة الطوارئ في البلدة, إلا أن الواقع شيء والقرارات شيء آخر, خصوصاً مع تقصير الدولة, إذ إن ما وصل إلى البلدة التي تضمّ نازحين بالآلاف, من اللبنانيين والسوريين, ليس أكثر من 770 فرشة وحراماً, “وهذا لا يسدّ أبسط احتياجات النازحين”, يقول رئيس البلدية, بشير مطر. ومن هذه المساعدات, “لم يصل شيء إلى الساكنين في البيوت”. أما المساعدات الغذائية, فجلّ ما وصل منها 234 حصة من لجنة الطوارئ الحكومية و834 حصة من مجلس الجنوب.
ومع حلول الشتاء, باتت الحسابات أصعب: لا تدفئة ولا مازوت ولا حرامات تقف في وجه عواصف البلدة الواقعة في أقصى البقاع الشمالي والتي “يقصّ فيها البرد الأصابع”! ويقول مطر: “من كان يملك غطاء, يحتاج اليوم إلى أربعة ليتّقي البرد”. والخوف من الشتاء ليس عابراً, إذ إن إبقاء الناس بلا تدفئة يعني تحميل الثقل للقطاع الصحي, والسيناريو المتوقّع في هذه الحالة هو كثرة الأمراض والفيروسات التي تنتقل بسرعة بسبب ازدحام النازحين, في وقت تعاني فيه المؤسسات الصحية من ضعفٍ في الإمكانات والتجهيزات. ويوضح مطر أن “في المنطقة, وتحديداً في الهرمل, ثلاثة مستشفيات تخدم حوالى 60 إلى 70 ألفاً من السكان هنا وبالكاد قادرة على المواجهة”. ويلفت إلى أن “مستشفى البتول شبه معطل, فيما المستشفى الحكومي ومستشفى العاصي لا يمكن أن يحملا الثقل وحدهما, إضافة إلى النقص في أطباء الاختصاص”. ولفت على سبيل المثال إلى أنه “كان في المنطقة 3 أطباء للقلب غادروا, واليوم إذا حدث شيء يقف قلب المريض قبل أن يصل الطبيب”.
ويضاف إلى ذلك عجز بلدية القاع وافتقارها للإمكانات, وهي حال معظم البلديات إما بسبب عدم صرف أموالها العالقة في الصندوق البلدي المستقل أو بسبب العجز الذي تعاني منه بسبب الأزمة المالية. و”الإمكانات شبه معدومة حتى للقيام بأبسط الأعمال من رفع للنفايات إلى غيرها من الأعمال البلدية”, بحسب مطر. هكذا, يصل العجز في الإمكانات في القاع… إلى القاع, فالبلدة التي تضمّ ما لا يقلّ عن 5 آلاف نازح, لا يملك مركز الدفاع المدني فيها “سوى سيارة إطفاء واحدة, فيما لا توجد فيها جرافة”. ويسأل مطر: “ماذا لو تكرّر سيناريو الإخلاءات الذي حدث في بعلبك في مدينة الهرمل؟ كيف سيكون عليه الواقع هنا؟”, إذ إن الوجهة الأولى لكثيرين من أهالي الهرمل الصامدين حتى الآن, في حال حدوث سيناريو كهذا, ستكون القاع لكونها الأقرب إليهم. مجرّد تخيّل هذا الأمر يؤرّق لجنة الطوارئ هناك, مع وصول مراكز الإيواء إلى قدرتها الاستيعابية القصوى. والخوف هنا ليس من نقص في الغذاء “لأن لا أحد يموت من الجوع في القاع”, يقول مطر, وإنما لاستهتار الجهات الرسمية بمطالب النازحين.