بقلم رمال جوني،
فالترويقة الشعبية التراثية باتت خارج حسابات الناس هذه الأيام، بعدما حلّق مسجّلاً رقماً قياسياً 60 الف ليرة لبنانية، ليلتحق بالمنقوشة المستمرة في الارتفاع ايضاً حسب صرف الدولار.
الا ان المعلم علي، الفوال العتيق، قرر السباحة عكس التيار، محافظاً على صحن الفول بـ25 الف ليرة، رافضاً الالتحاق بقطار الغلاء، اقله هذه الفترة رأفة بالناس، وحفاظاً على صحن الفول الشعبي على حد قوله.
والمعلم علي يعتمد سياسة ” الرزق على الله”، يفتح محله الذي يشبه متحفاً تراثياً لعشاق الفول والحمص، مرتكزاً على قاعدة “التراث لا يموت”.
داخل مطعمه في بلدة كفررمان ينهمك المعلم علي زبيب بإعداد صحن فول لزبون وآخر مسبّحة. منذ زمن طويل اعتاد العمل ” فوالاً”، توارث المهنة عن أبيه ويرفض مغادرتها رغم قساوة الظروف التي تهدّد آخر معاقل اللقمة الشعبية، يؤكد “ان اهمية صحن الفول أنه من عاداتنا القديمة، كان رفيق صباحاتنا، غير أن الازمة الاقتصادية أطاحت بكل شيء جميل، وسرقت الاكلات الشعبية التراثية، او كما يقال أكلات الفقراء، ولم تبق على شيء منها”.
ما يميز صحن الفول في مطعمه أنه يترافق مع التراث الذي يحيط بالمكان، جرار وفوانيس، سراج، وشمعدانات، اسلحة وعدّة قديمة، وكل ما يمت للبيت القروي القديم وقد اختار المعلم علي جمعها وتزيين مطعمه بها لانها جزء لا يتجزأ من أكلة الفول الشعبية. فالأخيرة بنظره تراثية، ولكن يحاول الزعماء بسياستهم الغوغائية السطو عليها، لسرقتها من “تم الفقير”.
ما يخشاه ليس ارتفاع صحن الفول مع فورة الدولار المخيفة، وانما ارتفاع اسعار الغاز والحمص والفول وكل المواد الذي يستخدمها، وربما يدفع الغلاء بكثر اما للتخلي عن المهنة التي يعتاشون منها، او العودة لسلق الحمص والفول على الحطب أو داخل أفران الحطب بإستخدام الجرار الفخارية، ما قد يهدد المهنة ويدفع بإتجاه تحليق صحن الفول اكثر، ويصبح للأغنياء فقط.
يحاول المعلم علي ان يحافظ على سعر الفول قدر المستطاع، يرفض رفع تسعيرته اقله في الفترة الراهنة، حفاظاً على شعبيته، وحق الناس بتناول وجبة الفول الصباحية، وما يمنن النفس عنده أن مطعمه لا مثيل له، فهو متحف ايضاً يضم قرابة الـ15 الف قطعة من الزمن الجميل، جمعها من كل قرى وبلدات لبنان، ليحافظ عليها ويحميها من الاندثار على حدّ قوله، فالتراث اعطاه هوية مغايرة عن باقي مطاعم الفول، واللقمة لديه مختلفة، ينسى الزبون همومه خارجاً، وينشغل في متابعة حياة الماضي عبر تلك المقتنيات التي فلشها في مطعمه وفق هندسة وتصميم متقن، يعتني بها ويرفض التخلي عن اي منها لأنها قطعة منه” أضف انها تمدّه بالقوة لمواجهة آفات الحياة الخطيرة، وتدفعه للثبات أكثر للحفاظ على مهنة الجدود التي يعتاش منها.
داخل المطعم يتخلى المواطن عن مشاكله، ليلحق بالربابة والمذياع وابريق الفخار وجرار المياه القديمة، ويمتّع نظره بماكينة الخياطة القديمة التي تستعدّ للعودة الى الحياة عما قريب، مثلها مثل السراج والفانوس واواني قديمة تعود بمعظمها لأكثر من مئة عام، ينسى عبرها الزبون ازمة الدولار وفورة الغلاء والارتفاع الجنوني بأسعار المواد الغذائية والخضار، يتناول صحن الفول الرخيص نسبياً قبل ان يعود لموجة الازمات، وسط دعائه برجم كل الطبقة الحاكمة التي اوصلته الى زمن يصبح فيه الفول حلماً والمنقوشة لمن استطاع اليها سبيلاً. فهل يأتي زمن يصبح الانترنت خارج الخدمة وتتم العودة الى البوسطجي؟
المصدر: نداء الوطن