شهدت الصناعة اللبنانية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي تدهوراً ملحوظاً نتيجة غياب السياسات الداعمة الهادفة لتحويل الاقتصاد من استهلاكي إلى إنتاجي والتركيز على القطاعات الخدماتية الأخرى لإنعاش الدخل القومي. وكان لعدم الاستقرار السياسي دوره في مراحل عدة في تفضيل الكثير من رؤوس الأموال الابتعاد عن أي مشاريع استثمارية في ظل غياب الضمانات.
عن التحديات التي تواجه القطاع راهناً والآفاق الممكنة، كان لـ”نداء الوطن” حديث مع النائب ميشال ضاهر، مؤسس شركة “ضاهر فودز”، الذي أشار، بحسب تقديراته، الى أن الصناعة تمثل اليوم 20 إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني الذي يبلغ حوالى 25 مليار دولار، بعد أن كانت لا تتخطى نسبة تمثيلها الـ9% قبل الأزمة. وجاء هذا الارتفاع كنتيجة مباشرة لتراجع الدخل القومي. ومن العوامل التي أثرت على القطاع الصناعي، الدور الذي لعبه ارتفاع الفوائد المصرفية التي وصلت إلى 15% أحياناً علماً أنّ العائدات الاستثمارية للصناعة لا تزيد عن الـ10%، ما ساهم في تشجيع الرأسماليين على تجميد أموالهم بدلاً من استثمارها في مشاريع صناعية. فالفوائد المعروضة آنذاك كانت تدرّ عليهم أرباحاً أكبر وبوقت أقصر. ويضيف ضاهر أنّه، وبعد الانهيار المالي الذي حصل، تجمّدت أموال الكثيرين في المصارف وأوقفت البنوك التسليفات بالدولار الهادفة إلى استيراد المعدات الصناعية مما أدّى إلى توقفه بشكل شبه كامل: “كنا نستورد سنوياً 300 مليون دولار معدات صناعية لغرض الإنتاج، وحين ازدادت الحاجة إلى الصناعة المحلية كما إلى عملية الاستثمار الصناعي، لم يعد بقدرتنا الاستيراد رغم الحاجة. فالوقت جاء متأخراً وما كان باستطاعتنا القيام به قبلاً، لم نعد قادرين على تحقيقه اليوم”.
النائب ميشال ضاهر
ويشير ضاهر في سياق الحديث أيضاً إلى أنّ المسؤولية لا تقع بكاملها على عاتق السياسات المصرفية وإنّما لعدم وجود خطة ورؤية اقتصادية: “ففي حين تمّ هدر 9 مليارات دولار على دعم لم تستفد منه سوى أيادي الفساد والسرقة، يكفي تخصيص الصناعة بمبلغ مليار دولار لكان كفيلاً بإنعاش القطاع وتوفير ما يقارب 40 ألف فرصة عمل للشباب اللبناني”. بدورها، شكلت الأزمة الاقتصادية ضربة قاصمة بالنسبة لكثير من المشاريع التي كانت على وشك ان تبصر النور. هنا يقول ضاهر: “كنّا في صدد العمل على مشروع جديد حيث كان مقدّراً أن تصل كلفته إلى 20 مليون دولار، يقوم على جمع قمح لبنان بكامله وتصنيع الباستا بجودة تضاهي المعايير الأجنبية. لكن الأزمة الاقتصادية قضت على كل شيء”. لكن نتيجة الإفلاس المالي والانهيار الاقتصادي توقفت التسهيلات الخارجية لتطوير الصناعة كما قطعت الطريق أمام التمهيد لعلاقات اقتصادية أوسع بين لبنان وكافة دول العالم. من هنا طالب الحكومة بـ”البدء بمفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي وعدم إضاعة الوقت لأن الاقتصاد يعاني نزيفاً ويجب وقفه”.
وفوق هذا وذاك، تبقى المعضلة الأخرى العصية على الحل متمثلة في إغلاق أسواق الخليج عامة والسعودية خاصة بوجه البضائع اللبنانية المنشأ. إذ إنّ الأزمة، ينهي ضاهر، ألحقت بالقطاع خسائر بقيمة 400 مليون دولار.