المطران ابراهيم ترأس رتبة جناز السيد المسيح:
ليتنا نرى في العالم اليوم وفي وطننا العزيز لبنان مسؤولين وقادةً وسياسيين مستعدين أن يتألّموا وأن يُصلَبو وأن يموتوا من أجل شعوبهم
ترأس رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رتبة جناز المسيح في كاتدرائية سيدة النجاة زحلة بمشاركة لفيف الإكليروس وحضور جمهور غفير من المؤمنين، وخدمت الرتيبة جوقة المطرانية بمشاركة الفنان الزحلي نقولا الإسطا.
وكانت للمطران ابراهيم عظة جاء فيها :
” أيها الأحباء بالمسيح، أيها الأخوات والإخوة الذين افتداهم المسيح اليوم بموته على الصليب. لقد أتيتم من قريب ومن بعيد إلى هذه الكاتدرائية المقدسة، سيدة النجاة، لكي تشاركوا في هذا الاحتفال المهيب الذي فيه ننشد مراثي التجنيز لمن هو غير مائت، وهو سيّدُ الحياة والموت ومِبدءُ الخليقةَ ومكمّلُها، يسوع المسيح، ابن الله الحي. نحن الذين نعيش في هذا السهل وفي هذا البلد العزيز لبنان لا ولن ننسى يوماً أننا مواطنو المسيح وأبناء وبنات الأراضي المقدسة وكلُّ هذا التراب البقاعي الذي وطأته قدما المسيح الطاهرتان. فإن لم يُذكَر خبرُ زيارة المسيح لسهل البقاع في الأناجيل المقدسة، فإن هذه الزيارة هي حتمية لهذا السهل المهم جدا في ذلك الزمن وقد كان يُسمّى إهراءات الامبراطورية الرومانية. ونحن حيث حللنا يحل المسيح معنا لأنه فينا ولأننا بالإيمان صرنا خارج حدود الزمان والمكان ومنهما صليبُنا وموتُنا يحوّلان الدنيا إلى قيامة لأننا أبناء القيامة. نحن نعجز اليوم عن الحزن لأن فداءنا قد تمَّ ليس بدم المسيح المنسكب على الصليب فحسب، بل بفعل إرادة الابن الذي أطاع الآب بقوة الحب حتى الموت، موت الصليب.”
وأضاف ” البعض يسأل لماذا الصليب ولماذا الموت؟ ألم يكن حريّاً بالمسيح أن يخلّص نفسه كما خلّص آخرين؟ إن الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى فهم عميق لكل مراحل تاريخ الخلاص ابتداء من خطيئة آدم، مرورا بعمل الآباء والأنبياء وحتى بشارة الملاك جبرائيل لمريم وحبلها بيسوع بقوة وحلول الروح القدس عليها. لقد اختار اللهُ بحكمته الفائقة هذه الطريقة للفداء! ومن منا أحكمُ من إلهنا الذي اختار أن يُتم كلَّ ما قيل من قِبل الآباء والأنبياء. وليس عند الله عبثيةٌ ولا عشوائية ولا مزاجية ولا مصالحُ ضيقة. فالله إذا ما قال يكون وإذا ما أمر يصير وإذا ما ضمَرَ يُتمّ. ليس عِند الله محاباةُ وجوه ولا مراضاةُ خواطر ولا وِساطات ولا سياسات ولا مؤامرات ولا غشٌ ولا تمثيلٌ ولا حساباتٌ رخيصةٌ ولا كلماتٍ مزدوجةُ المعاني. ألله محبة. والذين يفتشون عن أجوبة خارج فلسفة المحبة فهم بالطبع خاسرون. ألله شاء بحكمته الإلهية أن يُفرغ ذاتَهُ آخذا صورة عبد. نعم! لقد أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. (فيليبي 2:6)
لقد أخطىْ آدمُ أبونا لأنه تكبّر على الله فكان لا بدَّ أن يتواضع المسيح في حركة معاكسة. فعصيان آدم قابله طاعةُ المسيح، وأنانيةُ آدم يقابلها بذلُ المسيحِ الكاملُ لذاته. بآدم دخلت الخطيئة الى العالم وبالمسيح، آدمَ الجديدِ، تدخلُ النعمة ويدخل الخلاص. مع آدم تشوهت صورة الله في خلائقه، وبالمسيح تترمم تلك الصورة لتعود إلى بهائها القديم. بآدم خسرنا بنوتنا لله وبالمسيح نعود لنكون أبناء الله.
ليتنا نرى في العالم اليوم وفي وطننا العزيز لبنان مسؤولين وقادةً وسياسيين مستعدين أن يتألّموا وأن يُصلَبو وأن يموتوا من أجل شعوبهم لأنه بدون هذه التضحيات الكبار والغوالي لن يكون لهم ولا لأوطانهم خلاص ولا قيامة.”
وختم المطران ابراهيم ” نحن أتينا اليوم قلبا واحدا للمشاركة في هذا الرتبة المقدسة. وكم تبتهجُ كاتدرائيتُنا فرحاً بأبنائها المجتمعين تحت قُبتها الشامخة. أنتم الكاتدرائية الحية وأنتم الهيكل الأجمل. بارككم الله وأعاد عليكم هذا العيد الكبير وأنتم تنعمون بالصحة والفرح طالبين من الله أن يشرق نورُ سلامه وأن يُطل يومُ قيامته، ذلك اليوم الذي يبدأ ولا ينتهي، على وطننا المصلوب لبنان وعلى زحلة وبقاعنا الغالي. بارك الله أبناءنا ومنحهم الثبات في الايمان والحفاظ على تقاليد وقيم الآباء والأجداد فيتمسكوا برسالة التبشير بالمسيح المتغلب على الضعف والموت منشدين معنا نشيد الانتصار: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور.””
وفي نهاية الرتبة اقيم تطواف بنعش السيد المسيح داخل الكاتدرائية وفي ارجاء الباحة الخارجية للمطرانية.