هل عدنا إلى المسلسل اليومي لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء؟
على ما يبدو نعم، وخصوصاً نتيجة الكلام المتواتر بين الصرافين عن توقف منصة “صيرفة” الخاصة بمصرف لبنان عن بيع الدولارات، ما خلا أصحاب النصيب والمحظيين وبرقم هزيل قد لا يتعدى 10 أو 15 مليون دولار يومياً.
هذه المنصة نفضت جيوبها، ويبدو أنّها فقدت دوراً تميّزت فيه نحو 4 أشهر، وهو الهيمنة على السوق السوداء، وبالتالي وضع حدّ للصرافين والمضاربين الذين عادوا اليوم إلى الحركة والانتعاش.
سياسة “السقف المنزوع” التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر “صيرفة”، صرفت كل ما يملكه مصرف لبنان من كميات الدولار، كرمى لعيون السلطة وبحجة تمرير الانتخابات النيابية.
الانتخابات ستأتي والدولار سيواصل ارتفاعه إلى ما فوق 30 ألف ليرة لبنانية، بحسب ما ينقل هؤلاء المضاربون. وما مؤشّرهم إلى ذلك إلاّ لجوء الحكومة إلى حقوق السحب الخاص من صندوق النقد الدولي (SDR)، التي صرفت منها الحكومة اللبنانية قبل أيام ما مجموعه 88 مليون دولار مقسمة على الأدوية (13 مليون دولار) والقمح (15 مليون دولار) والكهرباء (60 مليون دولار)… فكان ذلك أوضح مشهدية لإفلاس منصة “صيرفة”، التي رفعت سعرها أول من أمس، من 22200 ليرة لبنانية قبل عطلة عيد الفصل، إلى 22900 ليرة. أي بارتفاع 700 ليرة مرة واحدة.
أمّا الارتفاع الكبير فكان في السوق السوداء أمس حيث قارب ارتفاع سعر صرف الدولار نحو ألف ليرة كاملة في يوم واحد، مسجلاً 25800 ليرة للمبيع و26300 ليرة للشراء، متخطّياً الـ26 ألف ليرة لبنانية للمرّة الأولى منذ تشكيل الحكومة قبل 7 أشهر.
طلب غير مبرّر على الدولار
مصدر صيرفي قال لـ”أساس” إنّ الطلب الضعيف لدى الصرافين على الدولار يجعل من هذا الارتفاع أمراً “غير مبرّر”، خصوصاً أنّ الطلب على الدولار في بيروت كان “أقلّ من عادي”، رامياً اللوم في ذلك على مجموعات “واتساب” التي “شهدت طلباً مخيفاً منذ صباح أمس الأربعاء وبأرقام كبيرة جدا”.
مصدر صيرفي آخر متابع لأخبار هذه المجموعات كشف لـ”أساس” أنّ المضاربين كانوا يتحضرون لهذه الفرصة منذ مدة، وذلك بعد أن “فضّوا جيوبهم من الليرات اللبنانية وحملوا بدلاً منها الدولار فقط”. يقول المصدر إنّ هذا المشهد “شارك بإخراجه الجو الإيجابي الذي بثّه السياسيون اللبنانيون بعد عودة سفراء دول الخليج إلى بيروت”، لأنّ هذا الكلام “ترك آثاراً إيجابية لدى المواطنين العاديين الذين ظنوا أن الدولار سيبدأ بالهبوط”. كما “ساهم المضاربون في إذكاء هذه الأجواء من أجل حمل الناس على بيع الدولارات، خوفاً من انخفاضه”. ثم يكمل المصدر: “تفاجأ الناس بأنّ عودة الدبلوماسيين لم ترتدّ إيجاباً على السوق”، خصوصاً أنّ العودة كانت “ناشفة” أي بلا دعم مالي عربي ولا مساعدات بالدولار. لكنّ الأوان قد فات، لأن ّ الناس “باعت الدولارات وجاء الآن دور المضاربين”، الذين يتوعّدون منذ مدة بأنّ سعر صرف الدولار نهاية رمضان سيكون في فلك 27 ألف ليرة لبنانية”.
يضاف إلى هذه الأسباب أيضاً، تسعيرة المحروقات التي يبدو أنّ وزارة الطاقة ومستوردين المحروقات والمحطات باتوا يحرصون على وضعها بأعلى سعر ممكن للدولار، وذلك من أجل “التحوّط”، او ربّما من أجل غايات ربحية أخرى.
هذا الأمر حصل فعلاً صباح أمس، إذ قال عضو نقابة أصحاب المحروقات جورج البراكس في بيان وزّعه على الصحافيين عبر “واتساب”، إنّ ارتفاع سعر صفيحة البنزين أمس كان سببه “رفع مصرف لبنان سعر صرف الدولار على صيرفة التي تؤمن الدولارات %100 من فاتورة الاستيراد، وذلك من 22200 ليرة الى 22850 ليرة”…
هكذا لم تدم دولارات مصرف لبنان حتّى الانتخابات.
فهل نعود إلى تحليق سعر الدولار في السوق الوداء كما قبل تشكيل الحكومة؟ أم تخفي السلطة مخرجاً جديداً عنوانه “الاحتياطي الإلزامي” مجدداً؟
لا إجابات واضحة حتّى الآن، لكن الوقائع تقول إنّ هذه السلطة باقية… حتى آخر أونصة ذهب في مصرف لبنان!