بقلم لوسي بارسخيان،
خلال إنعقاد إجتماع نواب زحلة على طاولة مستديرة أمنتها لهم بلدية زحلة في قصرها البلدي يوم السبت الماضي، أصر رئيس بلدية زحلة – معلقة وتعنايل أسعد زغيب على البقاء خارج الصورة الجامعة التي إلتقطت للنواب، حتى لو كان هو من سعى لهذا اللقاء، وقدم كافة التسهيلات للنواب لتأمين نجاحه.أبقى زغيب على مسافة من جميع الحاضرين، متجنباً تفسير حضوره تحيزاً لطرف منهم، أو معهم كلهم بوجه من لم ينجحوا ببلوغ الندوة البرلمانية. مصراً في كلمة ترحيبه بالنواب على التأكيد على حيادية بلدية زحلة عن كل الإنقسامات السياسية وتركيزها على الملف الإنمائي بالدرجة الاولى.وفي كلمته أيضاً أشار زغيب الى أن لبلدية زحلة مطالب لا تتعلق فقط بزحلة وإنما للقضاء أيضاً مصلحة بها، وأبدى إستعداداً لعرضها على النواب متى حددوا وقتاً لذلك. وذلك بعد أن عرض على الحاضرين أن يضعوا في أولوية نقاشاتهم موضوع الكهرباء، وما يرتبط بعقد شركة كهرباء زحلة تحديداً، التي على رغم حملها إسم المدينة تعنى بخدمتها 16 قرية تتغذى مباشرة من الخدمة التي تقدمها الشركة.وفي كلام زغيب طمأنة لزملائه من رؤساء بلديات قرى القضاء، بأن زحلة لا تسعى لأن تستأثر بالخيرات التي يمكن أن يحققها العمل الجماعي للنواب، وإنما إيجابيات مثل هذه التكتلات الإنمائية، إذا سمحت ظروف البلد العامة بتحقيقها، لا بد ان تعم القضاء كله.هاجسان بديا مسيطرين في المقابل وقد يكونا من الدوافع الأساسية لإطلاق مبادرة زغيب. الأول هو إفتقاد زحلة وقضائها لكتلة نيابية ثابتة، وقد إختبر زغيب أهمية الدعم النيابي للملفات الإنمائية في الوزارات، شاكياً «أننا احياناً نحمل ملفاً نلمّ بكل تفاصيله، ولكن إذا دخلنا على الوزراء من دون نائب أو أكثر من المنطقة ليدعم طلبنا قد لا نجد من يسمعنا».والهاجس الثاني هو إنقطاع التواصل بين زحلة وجوارها إلا في قطاعات محدودة، على رغم قناعة الزحليين أنفسهم أنه من دون المحيط ستفقد زحلة الكثير من دورها.
بلقاءاته مع عدد من السفراء وزوار المدينة، يتحدث زغيب عن مرحلة الإنتعاش التي شهدتها المدينة قبل الحروب المتكررة التي عصفت بلبنان. ويشرح كيف كانت زحلة تشكل بالنسبة للمحيط المدرسة والمستشفى والمطعم والمتجر والمصرف الى جانب تمركز الدوائر الرسمية التي تخدم البقاع من شماله الى جنوبه قبل إستقلال بعلبك – الهرمل بمحافظة.كانت زحلة من أكثر من دفع ثمن التداعيات التي خلفتها الحروب اللبنانية المتكررة من إقتصادها. ليس فقط بسبب إنكماش الزحليين بمدينتهم من دون أن يتمكنوا من الإنفتاح بالشكل الذي بقيوا يطمحون اليه نحو الجبل، وإنما بسبب تخلي السهل تدريجياً عن خدمات زحلة، وسعيه لتأمين حركة إنمائية خدماتية وتجارية رديفة لما كانت توفره عاصمة البقاع، لينحصر دور المدينة فقط في إحتضانها للدوائر الرسمية.في بداية ولاية المجلس البلدي الحالي، وقبل أن تعصف جائحة كورونا بالعالم، وتتقلص حدود شعوب العالم بين حيطان المنازل وأبوابها، إنطلقت بلدية زحلة من فلسفة أساسية سعت لأن تكون عنوان ولايتها، وتقوم على ضرورة تأمين الإنفتاح بين زحلة وجوارها. وكان التركيز على الجيل الجديد تحديداً الذي لا يعرف الواحد منه الآخر. فانطلقت مسابقات تربوية ثقافية بين تلاميذ مدارس زحلة والجوار، كان الهدف الأساسي منها كما شرح زغيب حينها، خلق صداقات جديدة بين الشباب، يجعل كل واحد منهم يشعر بأن له معرفة بآخر في قرية من قرى البقاع، أو أن الأخير إذا إحتاج لشيء يمكن له أن يتواصل مع صديق له في زحلة، تماما كما كانت مقومات التفاعل أساس نهضة زحلة وإنتعاشها وحتى صمودها قبل الأزمات.ولكن جائحة كورونا فرملت الجهود. فيما يبدو تفاعل الشباب، والذي كان لا يزال ممكناً ولو بالحد الأدنى من خلال مدارس المدينة التي لا تزال تستقطب تلاميذ الجوار، مهدداً أكثر من قبل، نتيجة لتراجع القدرات المالية للبنانيين، وأهالي البقاع خصوصاً، والذي يجعل الكثير من الأهل يفكرون بوضع أولادهم في مدارس قراهم حتى لا يتكبدوا تكاليف التنقل. مما يعني مزيداً من التقوقع والإنفصال بين زحلة ومحيطها.بالمقابل لا يزال دور زحلة اساسياً من خلال مرفقين اساسيين الى جانب الإدارات الرسمية التي تحتضنها.أولاً قطاع الكهرباء. فيما إستمرارية هذا المرفق اليوم محفوفة بمخاطر الواقع المالي المتردي، وغياب المشاريع المستدامة لتأمين إستمرار خدمة الشركة. أما المرفق الثاني فهو المطمر الصحي الحديث لمدينة زحلة والذي تستفيد من خدماته 26 قرية في قضاء زحلة الى جانب المدينة. وواقع هذا المرفق يرتبط بتحسين ظروفه المالية أيضاً، خصوصاً أنه يحمّل زحلة عبء معالجة نفايات القضاء بسعر لا يتخطى الـ20 ألف ليرة عن كل طن، فيما كلفة المعالجة الحقيقية بظل إنهيار العملة الوطنية يصل الى 660 ألف ليرة ككلفة تشغيلية فقط.
ومن هنا كان سعي زغيب قبل جمع النواب الى طاولة واحدة في القصر البلدي لأن يجمع أيضاً رؤساء بلديات القضاء التي تستفيد من مطمرها الصحي. وفي اللقاءين مصلحة لزحلة كما لسائر الجوار. مما يثبت نظرية البعض في أن إنفتاح الجوار على زحلة لن يتحقق من دون خلق قاعدة لمصلحة مشتركة بينهما.وهذه ربما تشكل مسؤولية مشتركة، تتطلب أولاً الإقتناع بالدور الذي يجب أن تلعبه زحلة في محيطها. إذ لا يكفي وفقاً لضالعين في الشأن الإنمائي، أن تكون في المدينة مستشفيات بل يجب ان تسعى هذه المستشفيات لتطور مستمر يضعها في مصاف المستشفيات الجامعية التي بات حتى أهل المدينة يفضلونها على مستشفياتهم. ولا يكفي عدد المدارس، بل يجب أن تراعي إداراتها ظروف تلاميذها وعائلاتهم ولا تفصل بين تلميذ من زحلة وآخر من خارجه بل تعتبر مسؤوليتها جامعة للكل. أما متاجرها فباتت بحاجة لنفضة شاملة إذ لا يجوز بغياب عامل الجذب أن تقدم خدمات مشابهة للمتاجر التي نشأت في خارج المدينة وتتوقع إستقطاب الزبون البقاعي أو حتى الآتي من البلدان العربية مجدداً. حتى في السياحة تحتاج زحلة الى عناصر جذب جديدة، علماً ان حيوية الأفكار الموجودة في هذا القطاع تبدو أفضل من سواها وللمبادرات الفردية، الى جانب الرسمية فضل بها، وخصوصاً في قطاع السهر والحياة الليلية. إلا أن هذه الجهود تبقى بحاجة للتكامل مع فلسفة ورؤية موحدة لمستقبل المدينة ودورها من ضمن مخطط يشرك اكثر من قطاع ويؤمن إستمرار الحركة وإمتدادها على ساعات النهار.لا شك ان واقع زحلة لا ينفصل عن واقع لبنان عموماً. إنما المدينة التي حاربت منذ الإستقلال لضم الأقضية الأربعة الى لبنان، ليقينها بأنه اياً كانت محاولات إنفتاحها على الجبل مصلحتها الإقتصادية تبقى في السهل، تعاني اليوم من حالة ضياع، تسهم فيها تراكمات من السنوات والظروف التي لعبت كلها ضدها، وجعلت زحلة تفقد دورها. وثمة خطأ مشترك في الأمل بإستعادة دور المدينة السابق، من دون السعي لدور جديد يعيد تثبيتها كحاجة أساسية لمحيطها كما هي لأبناء المدينة مجتمعين. فهل تكون الأزمات التي يعيشها لبنان حالياً دافعاً لمبادرات جيدة تستعيد دور زحلة في محيطها، خصوصاً أن هذا المحيط لا يزال ينظر إليها كمساحة للحرية في المنطقة؟